الفامينية تَمَرُّدُ أقدمِ المستعمَرات
28 مه 2014 چهارشن
علمُ الأخلاقياتِ والجمالِ جزءٌ لا يتجزأ من علمِ المرأة
السيد عبد الله أوجلان
مصطلحُ الفامينية، الذي يعني الحركةَ النسائية، قد يؤدي إلى مزيدٍ من العُقم، نظراً لأنه بعيدٌ عن توصيفِ قضيةِ المرأةِ بِدِقةٍ تامة، ولِتَصويرِه الرجولةَ طرفاً مضادّاً. فكأنه يَعكِسُ معنى يَدُلُّ على أنها المرأةُ المسحوقةُ التابعةُ للرجلِ المهيمنِ وحسب. بَيْدَ أنّ واقعَ المرأةِ أوسعُ نطاقاً بكثير. إذ يَشتَمِل على معانيَ ذاتِ أبعادٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ شاملةٍ تتعدى نطاقَ الجنسية. فإذ ما أَخرَجْنا مصطلحَ الاستعمارِ من إطارِ البلدِ والأمة، واختَزَلناه إلى المجموعاتِ البشرية، فبمستطاعنا بكلِّ يُسر تعريفَ وضعِ المرأةِ بأنها أقدمُ مستَعمَرةٍ على الإطلاق. ففي حقيقةِ الأمر، ما مِن ظاهرةٍ مجتمعيةٍ شَهِدَت الاستعمارَ روحاً وجسداً بقدرِ ما عليه المرأة. ينبغي الفهمَ بأنه تم الإمساكُ بالمرأةِ ضمن وضعِ مستَعمَرةٍ لا يُمكِنُ رسمَ حدودِها بسهولة.السُّطُورُ المُتَطَرِّقَةُ إلى المرأة لدى حديثِها عن الرجولةِ التي تَرَكَت بصماتِها على علومِ الاجتماعِ مثلما تَرَكَتها على كافةِ العلومِ الأخرى؛ مشحونةٌ بالمواقفِ الدعائيةِ التي لا تَمَسُّ الواقعَ بتاتاً. فوضعُ المرأةِ الحقيقيُّ ربما طُمِسَ بهذه العباراتِ أربعين ضعفاً مما عليهِ حجبُ التمايُزِ الطبقيِّ والاستغلالِ والقمعِ والتعذيبِ القائم في تاريخِ المدنية. من هنا، فمصطلحُ عِلمِ المرأة jineoloji قد يَرمي بنحوٍ أفضل إلى الهدفِ المأمولِ عوضاً عن اصطلاحِ الفامينية. فالظواهرُ التي سوف يُبرِزُها عِلمُ المرأة لا بدَّ أنها لن تَكُونَ أقلَّ واقعيةً مما عليه العديدُ من الأقسامِ العلميةِ المنضويةِ تحت فروعِ علمِ الاجتماعِ من قَبيلِ علم اللاهوت وعلم الأُخرَوِيّات وعلمِ السياسة والبيداغوجيا وهَلُمَّ جَرَّا. وكونُ المرأةِ تُشَكِّلُ القسمَ الأفسحَ من الطبيعةِ الاجتماعيةِ جسدياً ومعنىً أمرٌ لا يَقبَلُ الجدل. إذن، والحالُ هذه، لِمَ لا نَجعَلُ هذا الجزءَ الجدَّ هامٍّ من الطبيعةِ الاجتماعيةِ موضوعاً ضمن حقولِ العلم؟ والسوسيولوجيا المتفرِّعةُ إلى العديدِ من الحقولِ كالبيداغوجيا وصولاً إلى علمِ تنشئةِ الأطفالِ وتربيتهم، لا يُمكِنُ إيضاحَ عدمِ لجوئِها إلى تشكيلِ حقلِ علمِ المرأة، سوى بِكَونِها عباراتِ الرجولةِ المهيمنة، لا غير.ستَبقى طبيعةُ المجتمعِ برمتها غيرَ مُنيرة، ما دامت طبيعةُ المرأةِ تَعُومُ في الظلامِ الدامس. فالتنويرُ الحقيقيُّ والشاملُ للطبيعةِ الاجتماعيةِ غيرُ ممكنٍ إلا بالتنويرِ الحقيقيِّ والشاملِ لطبيعةِ المرأة. كما أنّ تسليطَ الضوءِ على وضعِ المرأةِ بدءاً من تاريخِ استعمارِها كأنثى إلى استعمارِها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وذهنياً؛ إنما سيُقَدِّمُ مساهماتٍ كبرى في تسليطِ الضوءِ على جميعِ مواضيعِ التاريخِ الأخرى، وعلى المجتمعِ الراهنِ بكافةِ جوانبه.لا شك أنّ كشفَ النقابِ عن وضعِ المرأةِ هو أحدُ أبعادِ المسألة. والبُعدُ الأهمُّ معنيٌّ بقضيةِ التحررِ والخلاص. بمعنى آخر، فحَلُّ القضيةِ يتميزُ بأهميةٍ أكبر. لَطالما يُقالُ أن مستوى حريةِ المجتمعِ العامةِ متناسِبٌ طرداً مع مستوى حريةِ المرأة. المهمُّ هو كيفيةُ ملءِ جوفِ هذه العبارةِ الصحيحة. ذلك أن حريةَ المرأة ومساواتَها لا تُحَدِّدُ حريةَ المجتمعِ ومساواتَه فحسب. بل إنها تقتضي ترتيباتِ النظريةِ والمنهاجِ والتنظيمِ والممارسةِ اللازمة. والأهم من ذلك يَدُلُّ على استحالةِ وجودِ السياسةِ الديمقراطيةِ بلا المرأة، بل وستبقى السياسةُ الطبقيةُ ناقصةً، وسيستحيل استتباب السلمِ وحماية البيئة حينذاك.ينبغي إخراجَ المرأةِ من كونِها الأمَّ المقدسةَ والشرفَ الأساسيَّ والزوجةَ التي لا استغناءَ عنها ولا حياةَ بدونها، والبحثَ فيها بوصفِها مجموعاً كلياً من الذات والموضوع. بالطبع، يتوجبُ أولاً صونَ هذه البحوثِ من مَهزَلَةِ العشق. بل وينبغي أنْ يَستَعرِضَ البُعدُ الأهمُّ في البحوث تلك السفالاتِ الكبرى التي يتم حجبُها باسم العشق (وعلى رأسها الاغتصاب، الجريمة، الضرب، وآلاف الشتائم البذيئة التي لا تُساوي قرشاً). ومَقُولَةُ "كلُّ حروبِ الشرقِ الغربِ قد نَشَبَت بسببِ المرأة" على حدِّ تعبيرِ هيرودوت، إنما توضِّحُ هذه الحقيقة. ألا وهي أنها باتت قَيِّمَةً كمُستعمَرة، ولأجلِ ذلك أصبَحَت موضوعَ الحروبِ الهامة. ومثلما أن تاريخَ المدنيةِ كذلك، فالحداثةُ الرأسماليةُ أيضاً تُمَثَّلُ استعمارَ المرأة الأشدَ وطأةً والأشملَ بأبعادِه ألفَ مرة. فهي تَنقُشُ ذلك على هويتها. إنها أمُّ جميعِ أنواعِ الكدح، وصاحبةُ الجهدِ المجانيّ، والعامِلَةُ بأبخسِ الأجور، والأكثر بطالةً، وهي مصدرُ الشهوةِ والقمعِ اللامحدودَين للزوج، وآلةُ إنجابِ الأطفالِ للنظام، والحاضِنَةُ المُرَبِّية، وأداةُ الدعاية، وأداةُ الجنسِ والإباحية. وهكذا دواليك تَطُولُ لائحةُ أَوجُهِ استعمارِها واستغلالِها. لقد طَوَّرَت الرأسماليةُ آليةَ استغلالِ المرأةِ بما لا مثيلَ له في آليةِ أيِّ استغلالٍ آخَر. إن العودةَ مِراراً وتكراراً إلى وضعِ المرأة، ولو لم نَشَأْ ذلك، إنما تَبعَثُ على الألم. لكنْ، ما مِن لغةٍ أخرى للحقائقِ بالنسبةِ للمستَغَلّين المسحوقين.لا ريب أنه ينبغي على الحركةِ الفامينيةِ أنْ تَكُونَ الحركةَ الأكثر راديكاليةً في مناهَضةِ النظامِ على ضوءِ هذه الحقائق. فالحركةُ النسائيةُ، التي يمكننا عَزوَ أصولِها بحالتِها العصريةِ إلى الثورةِ الفرنسيةِ، قد وَصَلَت يومَنا الراهنَ بعد مرورِها بعدةِ مراحل. حيث تم الهَرَعُ وراءَ المساواةِ القانونيةِ في المرحلةِ الأولى. هذه المساواةُ التي لا تعني الكثير، كادت تتحقَّقُ بِرَواجٍ شائعٍ في يومنا الحاضر. ولكن، ينبغي الإدراكَ جيداً أنها خاويةُ المضمون. إذ ثمةَ مستجداتٌ شكليةٌ في حقوقِ الإنسان، مثلما الأمرُ في الحقوقِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ والحقوقِ الأخرى. فالمرأةُ حرةٌ ومتساويةٌ مع الرجلِ ظاهرياً. بينما أهمُّ أشكالِ الضلالِ والخداعِ مخفيٌّ في ذاك النمطِ من المساواةِ والحرية. فحريةُ المرأةِ ومساواتُها وديمقراطيتُها الأسيرةُ والمُستَثمَرَةُ بعبوديةٍ قصوى ذهنياً وجسدياً في جميعِ الأنسجةِ الاجتماعيةِ على مرِّ مراحلِ الهرميةِ والمدنيةِ برمتِها، وليس في غضونِ الحداثةِ الرسميةِ فحسب؛ إنما تقتضي الأنشطةَ النظريةَ الشاملةَ للغاية، والصراعاتِ الأيديولوجية، والنشاطاتِ النظاميةَ والتنظيمية، والأهم من ذلك أنها تتطلبُ الممارساتِ الوطيدة. ومن دونِ كلِّ ذلك، فالفامينيةُ والنشاطاتُ النسائيةُ لن تَذهبَ في معناها أبعدَ من كونها فعالياتٍ نسائيةً ليبراليةً تسعى إلى الترويحِ عن النظامِ القائم.في حالِ تَطَوُّرِ عِلمِ المرأة، سيَكُونُ توضيحُ حلِّ قضاياها بمثالٍ مفيداً إلى حدٍّ بعيد. ألا وهو ضرورة فهمِ أنّ غريزةَ الجنسِ تتصدرُ أشكالِ المعرفةِ الأسحق قِدَماً. فهي تلبيةٌ لحاجةِ الحياةِ في الاستمرارِ بوجودها. فاستحالةُ خلودِ الفردِ قد حَثَّته على الحلِّ بتطويرِ طاقةِ إعادةِ إنتاجِ ذاته ضمن شخصٍ آخر. والشيءُ المسمى بالغريزةِ الجنسيةِ يُشيرُ إلى تأمينِ هذه الطاقةِ لسيرورةِ الحياةِ من خلالِ التوالُدِ ضمن الظروفِ المناسِبة. إنها شكلٌ من الحلِّ إزاءَ الموتِ وخطرِ انقراضِ النسل. فانشطارُ الخليةِ الأولُ يعني تخليدَ الخليةِ الأولى المُنفَرِدَةِ بإكثارِها لذاتِها بالتكاثر. وإذ ما عَمَّمنا ذلك، فهو حَدَثُ جنوحِ الكونِ إلى الخلود، بتنويعِه وإكثارِ ذاته المتواصلِ للاستمرار في الحياةِ الحيويةِ حيالَ الفراغِ والعَدَمِ الساعي لابتلاعه.الواحدُ أو الفردُ الذي يَستَمِرُّ فيه هذا الحدثُ الكونيُّ هو المرأةُ بالأغلب. فالتكاثُرُ يتحققُ في جسدِ المرأة. بينما دورُ الرجلِ في هذا الحدثِ ثانويٌّ لأقصى الدرجات. بناءً عليه، فكَونُ كاملِ المسؤوليةِ يَقَعُ على كاهلِ المرأةِ في حدثِ الاستمرارِ بالنسلِ، أمرٌ مفهومٌ علمياً. علماً أنّ المرأةَ لا تَقتَصِرُ على حملِ الجنين في بطنها وتنشئته وتوليده فقط. بل تكادُ طبيعياً تَحمِلُ مسؤوليةَ العنايةِ به حتى مماته. إذن، والحالُ هذه، فالنتيجةُ الأولى الواجب علينا استنباطَها من هذا الحدثِ هي ضرورةُ أنْ تَكُونَ المرأةُ صاحبَ الكلمةِ الفصلِ بصددِ جميعِ العلاقاتِ الجنسية. ذلك أنَّ كلَّ علاقةٍ جنسيةٍ تَجلبُ معها مشاكلَ كامنةً يستعصي على المرأة تَحَمُّلها. يتوجبُ الإدراكَ أن المرأةَ التي تُنجِبُ عشرةَ أطفالٍ تَؤولُ جسدياً، بل وحتى روحياً إلى حالاتٍ أسوأ من الموت.نظرةُ الرجلِ إلى الجنسِ أكثرُ انحرافاً ولامبالاة. وللجهالةِ وتعميةِ السلطةِ دورُهما في ذلك بالدرجةِ الأولى. فضلاً عن أنّ امتلاكَ الكثيرِ من الأولادِ تَزامُناً مع الهرميةِ ودولةِ السلالةِ دليلٌ على القوةِ التي لا غنى عنها بالنسبةِ للرجل. فكثرةُ الأبناءِ ليست من أجلِ استمرارِ النسلِ وحسب، بل وتُعتَبَرُ ضماناً لبقائه سلطةً ودولة. وعدمُ خُسرانِ الدولةِ التي هي بمثابةِ احتكارِ المُلك، مرتبطٌ بضخامةِ السلالة. هكذا تُصَيَّرُ المرأةُ أداةً لإنجابِ الكثيرِ من الأبناءِ في سبيلِ الوجودِ البيولوجيِّ والسلطويِّ والدولتيِّ على السواء. بذلك تَكُون أرضيةُ الاستعمارِ المُرَوِّعِ بالنسبةِ للمرأةِ قد رُصِفَت ارتباطاً بالطبيعتَين الأولى والثانية. من المهم للغاية تحليلَ تهاوي المرأةِ بالترابُطِ مع هاتَين الطبيعتَين. لا داعيَ للإسهابِ كثيراً في التنويهِ إلى استحالةِ بقاءِ المرأةِ متينةً ونشيطةً وغيرَ مُنهَكَةِ القوى لمدةٍ طويلةٍ روحياً وجسدياً تحت وطأةِ وضعِ ثنائيةِ الطبيعةِ تلك. فالانهياران الجسديُّ والروحيُّ يتطوران باكراً بشكلٍ متداخلٍ، ويؤدي إلى انتهاءِ المرأةِ بحياةٍ أليمةٍ وقصيرةٍ وقاهرةٍ مقابلَ تأمينِ سيرورةِ حياةِ الآخَرين. من الأهميةِ بمكان تحليلَ وقراءةَ تاريخِ المدنيةِ والحداثةِ تأسيساً على هذا الواقع.لِنَدَعْ فداحةَ القضيةِ بالنسبةِ للمرأةِ جانباً. ذلك أنّ بُعدَ التضخمِ السكانيِّ بإفراط، أي القضيةِ الديموغرافيةِ يَفرُضُ نفسَه بتأثيراتِه الأشدّ وطأةً على كلِّ الطبيعةِ الاجتماعيةِ والمحيطِ الأيكولوجيِّ بأكمله. إحدى أهمِّ العِبَرِ الواجبِ استخلاصَها بالنسبةِ لعِلمِ المرأةِ أو علوم الاجتماع برمتها على السواء، إنما تتجسد في حقيقةِ ووضعِ عدمِ الاستمرارِ بالتكاثرِ السكانيّ، وعدم تضخيمه أو تصغيره في بعض الحالاتِ النادرةِ بأسلوبِ "المعرفةِ الغرائزية". فمساندةُ الاستمرارِ بالنسلِ من خلالِ أسلوبٍ هو الأكثر بِدائيةً من قبيل الغريزةِ الفطريةِ، ومؤازرتُه بالأساليب العلميةِ المُطَوَّرةِ على مرِّ تاريخِ المدنيةِ والحداثة؛ إنماهو الدافعُ الأساسيُّ وراءَ التزايُدِ السكانيِّ المُفْرِط. فاستمرارُ النوعِ البشريِّ بوجودِه كطبيعةٍ اجتماعيةٍ مُقتَصِراً على الأساليبِ الغرائزيةِ، وبالأخص بدفعِ وتحفيزِ الغريزةِ الجنسيةِ؛ إنما يُعَبِّرُ عن وضعٍ جدِّ متخلف. فمستوى الذكاءِ والثقافةِ يَبسطُ طاقاتِ المعرفةِ القادرةِ على الاستمرارِ بكياناتٍ اجتماعيةٍ من نوعيةٍ أرقى. أي أنّ الأفرادَ والجماعات قادرون على إحياءِ أنفسِهم لأطولِ مدةٍ ممكنةٍ من خلالِ مستوى ذكائهم وثقافاتهم والمؤسساتِ الفلسفيةِ والسياسية. بالتالي، لا يبقى أيُّ معنى لسيرورةِ النسلِ بالتكاثرِ عن طريقِ الغريزةِ الجنسية. فثقافةُ الإنسانِ وذكاؤه قد تَخَطَّيا هذا الأسلوبَ منذ زمنٍ بعيد. بناءً عليه، فمبدأُ الربحِ لدى المدنيةِ والحداثة هو المسؤولُ أساساً عن هذه البدائية. لا ريب أن الإفراطَ في التزايُدِ السكانيِّ إفراطٌ في الاحتكارِ والسلطة. وهذا بدوره ما يُعادِلُ الإفراطَ في الربحِ الأعظمي. إنّ التكاثرَ المُفْرِطَ لدى النوعِ البشريِّ طيلةَ التاريخ، وبُلوغَه ليس بالمجتمعِ وحسب، بل وببيئتِه وطبيعتِه أيضاً إلى شفيرِ الهاويةِ والفناءِ؛ إنما هو بالتأكيد حصيلةُ التكديسِ التراكُمِيِّ لرأسِ المالِ والسلطة، وبالتالي ثمرةُ قانونِ الربحِ الأعظمي. بينما جميعُ المؤثِّراتِ والأسبابِ الأخرى تؤدي دوراً ثانوياً من الدرجةِ الثانية.والحالُ هذه، ينبغي أنْ تَكُونَ المسؤوليةَ الأساسيةَ على عاتِقِ المرأةِ فيما يتعلقُ بحلِّ قضيةِ المرأةِ المُكتَسِبَةِ أبعاداً عملاقةً منذ الآن، وبحلِّ القضيةِ الديموغرافيةِ التي تُعَدُّ السبيلَ الأوليَّ لِسَدِّ الطريقِ أمامَ الدمارِ الأيكولوجي. والشرطُ الأولُ في ذلك هو حريةُ ومساواةُ المرأةِ تماماً، وحقُّها في مُزاوَلَةِ السياسةِ الديمقراطيةِ كلياً، وحقِّها في أنْ تَكُونَ صاحبةَ الإرادةِ والكلمةِ الحاسمةِ في جميعِ العلاقاتِ المعنيةِ بالجنس. وفيما خلا هذه الحقائق، لا يمكن تحقيقَ خلاصِ وحريةِ ومساواةِ المرأةِ والمجتمعِ والبيئةِ بكلِّ معانيها، كما لا يَحتَمِلُ تشكيلَ السياسةِ الديمقراطيةِ والسياسةِ الكونفدراليةِ طبعاً.كما تؤدي المرأةُ دوراً حياتياً ومصيرياً من حيث أخلاقياتِ وجمالياتِ الحياةِ على ضوءِ الحريةِ والمساواةِ والدمقرطة، كَونها العنصرَ الأصليَّ للمجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي. علمُ الأخلاقياتِ والجمالِ جزءٌ لا يتجزأ من علمِ المرأة. ولا جدال بشأن أن المرأة ستُحقِّقُ انفتاحاً وتطوراتٍ عظيمةً في جميعِ ميادينِ الأخلاقيات والجماليات كقوةٍ فكريةٍ وتطبيقيةٍ على السواء، بِحُكمِ مسؤوليتِها الثقيلةِ في الحياة. فأواصرُ المرأةِ مع الحياةِ شاملةٌ أكثر بكثير مقارنةً مع الرجل. ورُقِيُّ بُعدِ الذكاءِ العاطفيِّ متعلقٌ بذلك. بالتالي، فعلمُ الجمالِ موضوعٌ وجوديٌّ بالنسبةِ للمرأة، كَونَه يعني تجميلَ الحياة. ومسؤوليةُ المرأةِ أوسعُ نطاقاً على الصعيدِ الأخلاقيِّ أيضاً (نظرية الأخلاق وعلم الجمال = نظرية الجمال). إنّ تَصَرُّفَ المرأةِ بمزيدٍ من الواقعيةِ وروحِ المسؤوليةِ على صعيدِ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ أمرٌ نابعٌ من طبيعتها، وذلك من حيث تقييم وتشخيص وإقرارِ الجوانب الحسنة والسيئة من تعليمِ الإنسان وتربيته، وأهميةِ الحياةِ والسلم، وسوء الحرب وهَولِها، ومعايير الأحَقِّيَّةِ والعدالة. وبطبيعةِ الحال، أنا لا أتحدثُ عن المرأةِ الدُّميَةِ بِيَدِ الرجل وظِلِّه. بل موضوعُ الحديثِ هنا هو المرأةُ الحرةُ المتبَنِّيةُ للمساواةِ والدمقرطة.سيَكُونُ من الأصحِّ تطويرَ علمِ الاقتصادِ أيضاً كجزءٍ من علمِ المرأة. فالاقتصادُ شكلُ نشاطٍ اجتماعيِّ أدت فيه المرأةُ دوراً أصلياً منذ البداية. والاقتصادُ ذو معانيَ مصيريةٍ بالنسبةِ للمرأة، بِحُكمِ مسؤوليتِها في قضيةِ تنشئةِ الأطفال. علماً أنّ معنى لفظ الاقتصاد ECO-NOMY هو "قانون المنزل، قواعد ارتزاق وإعاشة المنزل". واضحٌ أنّ هذا أيضاً من نشاطاتِ المرأةِ الأساسية. تَجَسَّدَت أكبرُ ضربةٍ لَحِقَت بالحياةِ الاقتصاديةِ في إخراجِ الاقتصادِ من يدِ المرأة، وتسليمه إلى يدِ المسؤولين الذين يتصرفون كالأغواتِ من قَبيلِ المُرابِين والتُّجَّارِ والمستَثمِرين وأصحاب المالِ والسلطةِ والدولة. الاقتصادُ الموضوعُ في يَدِ القوى المضادةِ للاقتصاد يتم تصييرُه هدفاً أولياً للسلطةِ والعسكرتاريةِ بسرعةِ البرق، متحَوِّلاً بذلك إلى عاملٍ رئيسيٍّ في نشوبِ الحروبِ والنزاعاتِ والصِّدَاماتِ والأزماتِ اللامحدودةِ على مرِّ تاريخِ المدنيةِ والحداثةِ برمته. الاقتصادُ في يومنا الراهن قد باتَ ساحةً لألاعيبِ مَن لا علاقةَ لهم بالاقتصاد، يَعُوثُون فيها ويَنهَبون ويَسلبون القيمةَ الاجتماعيةَ بِنَهمٍ لا يعرفُ حدوداً من خلالِ التلاعبِ بِقِطَعٍ وَرَقِيَّةٍ وبأساليبِ أنكى من القمار. أي أنّ المرأةَ طُرِدَت تماماً من مِهنَتِها المقدَّسةِ التي صُيِّرَت ساحةً للبورصاتِ وميادينِ الرِّبا والتلاعُبِ بالأسعار، ومعامِلَ لإنتاجِ آلاتِ الحروب ووسائلِ المواصَلاتِ التي تَجعَلُ البيئةَ لا تُطاقُ والمنتوجاتِ الكماليةِ التي لا علاقةَ لها بحاجاتِ الإنسانِ الأوليةِ ولا نفعَ منها سوى إدرار الربح.جليٌّ بسطوع أنّ حركةَ الحريةِ والمساواةِ والديمقراطيةِ النسائيةَ، التي تستندُ إلى علمِ المرأةِ المحتوي على الفامينيةِ أيضاً ضمن ثناياه؛ ستؤدي دوراً رئيسياً في حلِّ القضايا الاجتماعية. ينبغي عدم الاكتفاءِ بانتقادِ الحركاتِ النسائيةِ البارزةِ في الماضي القريب، بل وتوجيه الانتقاداتِ اللاذعةِ لتاريخِ المدنيةِ والحداثةِ اللتَين تسبَّبَتا في تهميشِ وخسارةِ المرأة أكثر. وإذ ما كانت مسألةُ وقضيةُ وحركةُ المرأة تكادُ تَكونُ معدومةً في العلوم الاجتماعية، فالمسؤوليةُ الأساسيّةُ في ذلك تُعزى إلى الذهنيةِ المهيمنةِ للمدنيةِ والحداثة وبُناها الثقافيةِ المادية. قد تُقَدَّمُ المساهماتُ إلى الليبراليةِ بالتناولِ القانونيِّ والسياسيِّ الضيقِ للمساواة. ولكن، من المستحيل آنئذٍ تأمينَ تحليلِ القضيةِ كظاهرة، فما بالكم بِحَلِّها عبر هكذا مواقف؟ إن الزعمَ بِكَونِ الحركاتِ الفامينيةِ الحاليةِ تَحَوَّلَت إلى قوى منقطعةٍ عن الليبراليةِ ومضادةٍ للنظام سيَكُون خداعاً للذاتِ، لا غير. إنْ كانت الراديكاليةُ إحدى قضايا الفامينيةِ الرئيسيةِ مثلما يُقال، فمن الضروريِّ حينذاك وقبل أيِّ شيءٍ آخَر أنْ تُديرَ ظهرَها وتَقطَعَ أواصرَها مع إدماناتِ وسلوكياتِ الليبراليةِ الجذريةِ وحياتِها وأنماطِها الفكريةِ والعاطفية؛ وأن تُحَلِّلَ عدوَّ المرأة المتمثلَ في المدنيةِ والحداثةِ اللتَين تَقِفان خَلفَها. هذا وينبغي عليها السير على سُبُلِ الحلِّ القَيِّمِ بالتأسيس على ذلك.على العصرانيةِ الديمقراطيةِ الإدراكَ أنَّ طبيعةَ المرأةَ وحركتَها في سبيلِ الحريةِ من إحدى قواها الأساسية، وبالتالي اعتبارَ تطويرِها وعقدِ التحالفِ معها كإحدى مهامِّها الرئيسية، وتقييمَها بموجبِ ذلك ضمن نشاطاتِ إعادةِ الإنشاء.
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42