بُعدُ المجتمع الأيكولوجي الصناعي
21 ژوئن 2014 شنب
الاقتصادَ ليس قضيةً تكنيكيةً معنيةً بالبنيةِ التحتية، بل، وبِحُكمِ كونه البنيةَ الوجوديةَ الأساسيةَ للمجتمعات
عبدالله اوجلان
أساسُ البُعدِ الاقتصادي والصناعي للعصرانية الديمقراطية أيكولوجي. من المهم تعريف الاقتصاد أولاً بشكلٍ سليم. ويتحلى استيعابُ كونِ الاقتصاد السياسي أداةً عظمى في التحريف والتعمية بأولويةٍ كُبرى في هذا المضمار. وبالأخص، فمصطلحُ "الاقتصاد الرأسمالي" ألعوبةٌ دعائيةٌ مَحضة، وسفسطةٌ فاسدة. فمثلما حَلَّلناها في المُجَلَّدَين السابقَين، فالرأسماليةُ ليست اقتصاداً، بل العدوُّ اللدودُ للاقتصاد. إنها تنظيمٌ شَبَكِيٌّ (مافياوي) مُمَنهَجٌ (مُرتَكِزٌ إلى هيمنةِ الثقافةِ الأيديولوجية والمادية) يَعتَمد في جوهره على نهبِ وسلبِ القيم الاجتماعية (وليس فائض القيمة وحسب)، ويُحَوِّلُ وجهَ البسيطةِ إلى حالةٍ لا تُطاق (فيما عدا حفنةٌ من الفراعنة والنماردة) في سبيل الربح الاحتكاري. الفارقُ الذي يُمَيِّزُ هؤلاء عن الأربعين حرامي والقراصنة هو تأمينُهم شرعيةً أيديولوجيةً متعددةَ الجوانب، وتشكيلُهم قِناعاً قانونيّاً ودَعاماتٍ سلطوية. حيث يَعمَلون على إخفاءِ وجوههم وجوهرهم الحقيقيَّين من خلالِ هذه الأدوات. ويَعرضُون أنفسَهم على أنهم الحقيقةُ بذاتِها عن طريقِ الكثير مما يُسمى بالقواعد والضوابط العلمية، وعلى رأسها الاقتصاد السياسي. حيث لا يُمكنهم الاستمرار بوجودِهم ولو ليومٍ واحدٍ فقط، لولا الأيديولوجية العظمى والدرع المنسوج من العنف. وبِبُنيَتِهم تلك، فإن الممارسةَ الاقتصاديةَ (شكل النشاط الأولي للمجتمع الأخلاقي والسياسي) المتضَمِّنةَ بدورها للمعنى البيئي الذي يُعَدُّ الوجودَ الأساسيَّ للمجتمع يُخضِعونها لِنِيرِ القمعِ والاستغلال، مُعيقِين بذلك تَطَوُّرَها من جهة، ومُحَوِّلين إياها إلى مصدرٍ لسعادةِ ورفاهِ قِلَّةٍ قليلة من الجهة الثانية.يتحلى تشخيصُ فرناند بروديل بأهميةٍ تعليميةٍ عظمى لدى تعريفه للاقتصاد، وتحديده احتياجاتِ الإنسان الضرورية ضمن الطابقِ الأرضيّ، والنشاطاتِ السِّلَعِيّةَ المتمحورةَ حول السوق الذي لا يتضمن الاحتكارَ ولا استغلالَ فارِقِ الأسعار ضمن الطابقِ الأول الذي يُعَيِّنُ الساحةَ الاقتصاديةَ الأساسية، بينما يُحَدِّدُ الطابقَ المتأسِّسَ على هذَين الطابقَين مُتَكَوِّناً عبر أجهزةِ الاحتكارِ واستغلالِ فارِق الأسعار، ويَعتَبِرُه الساحةَ الأصليةَ للرأسمالية لأنه مضادٌّ للسوق (يَنظُرُ إيمانويل والرشتاين إلى هذا التشخيص بأهميةٍ بالغة). يتضحُ بكلِّ جلاء على هُدى هذا التعريف أن نظرةَ الليبراليةِ إلى الرأسمالية على أنها اقتصادُ السوق سفسطةٌ خالصة. فعلاقةُ الرأسماليةِ مع السوق لا يُمكن إلا أن تَكُونَ نظامَ لعبةٍ وحشيةٍ مُهَوِّلةٍ لا تتوانى عن لعبِ شتى أنواعِ الطيش الجنوني، بدءاً من الاستيلاء على الربح الاحتكاري بألاعيبِ الأسعار، وابتكارِ الحروب والأزمات في سبيل ذلك إن تَطَلَّبَ الأمر، وإخراج الاقتصاد برمته من كونه نشاطاً يُلَبّي الحاجات الضرورية، وجَرّه نحو الساحات التي تَدُرُّ الربح الأكثر (قانون الربح الأعظمي). نَقول إنها لعبة. أي، لعبةٌ باعتبارها نمطُ ممارسةٍ وهجومٍ واعتداءٍ مضادٍّ للحياة لدرجةِ انتزاعِه المجتمعَ البشريَّ من أسبابِ وجودِه الأساسية.كل احتكاراتِ المدنية عموماً، والاحتكاراتِ الرأسمالية (أجهزةُ الزراعة والتجارة والتمويل والدولة القومية) على وجه الخصوص هي العامِلُ الأوليُّ الكامنُ وراء جميعِ التحريفات والتضليلات الاقتصادية والأزمات الخانقة والقضايا والمجاعات والفقر المدقع والكوارث البيئية. علاوةً على أنه، وبالتأسيس على هذا العامِل يتنامى شتى أنواع التحولات الطبقية الاجتماعية السياسية، السلطات، التمدنات المُفرِطة (وكافة الأمراض المستندة إليها)، التحريفات الأيديولوجية (جميع أنواع الدوغمائيات الدينية والميتافيزيقية والعلموية)، الرذائل (تحريف الفن) والسيئات (غيابُ الأخلاق وحالاتُ الفساد). والحداثةُ الرأسماليةُ تبسط عدداً لا حصر له من الأمثلة بشأن هذه التشخيصات في غضون القرون الأربعة الأخيرة.يَبلُغُ الاقتصادُ معناه الحقيقيَّ في العصرانية الديمقراطية، ويُعَبِّرُ عن البنيةِ النظامية المنهجية القَيِّمةِ التي تُبرِزُ للوسطِ قِيَمَ الاستخدام (خاصيتَها في تلبيةِ الاحتياجاتِ الأهم) بوصفها الاحتياجاتِ الأوليةَ للطابق الأرضي، وقِيَمَ المقايضة (مُعَدَّلات تَبادُل السلع) بوصفها اقتصادَ السوقِ الحقيقي. هكذا يَخرجُ الاقتصادُ من كونه ساحةً تُعَوَّلُ عليها حساباتُ الربح. ويتم الجزم بماهيةِ الأساليب وكيفيةِ استخدامه بأفضل الأشكال إثماراً وعطاءً، دون التمخض عن التمييز الطبقي للاحتياجات الأولية، ودون إلحاقِ الضرر بالأيكولوجيا؛ لِيَبلُغَ الاقتصادُ معناه الحقيقي من حيث كونه ساحةَ نشاطٍ اجتماعي. أي أنه يَكتَسِبُ معناه بوصفه شكل النشاط الأولي الذي سيتنامى عليه المجتمعُ الأخلاقي والسياسي، وسيُطَوِّرُه أيضاً على السواء.لم تتخلَّص الحداثةُ بمفهومها الاقتصادي من وجهةِ النظر الطبقية (وجهة نظر البورجوازية في الهيمنة)، بما في ذلك الاقتصادُ السياسيُّ الماركسي أيضاً. حيث ظَلَّت في وضعيةِ إهمالِ وحجبِ أرضيةِ المجتمع التاريخي برمتها من خلالِ ربط القيمةِ بعلاقةِ العامِل ورب العمل. القيمةُ ثمرةٌ من ثمارِ المجتمع التاريخي. فَلنَدَعْ جانباً كونَ ربِّ العمل والعامِلِ المتنازلِ يُؤَمِّنان هذه الثمرة، بل هما أساساً في وضعية نَهَّابيها. وبرهانُ ذلك جليٌّ بسطوع. فمن دونِ كدحِ المرأة المجاني، لا يمكن لربِّ عملٍ أو عامِلٍ متنازِلٍ واحدٍ فقط أن يُشبِعَ بطنه أو إدارةَ حياتِه اليومية. هذا المثالُ لوحده يُظهِرُ بوضوحٍ تام وجهَ الرأسماليةِ اللااقتصادي. بَيْدَ أننا نَكشفُ بإسهاب عن استحالةِ وجودِ المدنية عموماً والحداثة الرسمية خصوصاً، دون وجودِ المجتمع التاريخي.التكامُلُ الصناعيُّ والأيكولوجيُّ لِقِيَمِ الاستخدام والمقايضة أساسٌ في البُعدِ الاقتصادي للعصرانية الديمقراطية. فحدودُ الصناعة تستند إلى الأيكولوجيا وإلى حدودِ الاحتياجاتِ الأولية. أي، يستحيلُ تَخَطّيها لِهذَين الحَدَّين. والصناعةُ التي ستَظهَر للوسط في هذه الحالة هي صناعةٌ أيكولوجية. فالصناعةُ اللاأيكولوجية صناعةٌ لااقتصادية. الصناعةُ التي تَحَرَّرَت قيودُها مع الأيكولوجيا لا تختلف البتة عن حيوانٍ كاسرٍ آليّ (يُبِيدُ البيئةَ بِأكلِه إياها دون توقف). إلى جانب أن الصناعةَ المتحررةَ من روابطها مع اقتصادِ الاحتياجاتِ الأولية لا قيمةَ لها عدا هدف الربح. من هنا، فالصناعةُ الأيكولوجيةُ بمثابةِ مبدأ أساسي مدعوم بهذه الحجج. إنه مبدأ أساسيٌّ ينبغي أن تَلتَزِمَ به جميعُ النشاطات الاقتصادية. في هكذا وضع تَجِدُ الممارسةُ الاقتصاديةُ معناها الحقيقي، ويَخلُو الميدانُ من البطالة، الإنتاج الزائد أو الناقص، البلدان أو المناطق النامية أو المتقدمة، تَضادّ القرية والمدينة، الهُوَّات الطبقية، ومن الأرضية الاجتماعية للأزمات الاقتصادية والحروب.البطالةُ حصيلةٌ خالصةٌ لانحرافِ البنية الاقتصادية الهادفة إلى الربح. لا مكانَ لهذا الانحراف في البُعد الاقتصادي للعصرانية الديمقراطية. ذلك أن البطالةَ وضعٌ اجتماعيٌّ هو الأكثر خروجاً عن الإنسانية.زيادةُ أو نُقصانُ الإنتاجِ أيضاً ثمرةُ انحرافِ البنية الاقتصادية الهادفة إلى الربح. إذ لا معنى لِنُقصانِ الإنتاج، ولا لزيادته، ما دامت الاحتياجاتُ الضروريةُ عالقةً، والصناعةُ متناميةً لهذه الدرجة. إني مُرغَمٌ على التبيانِ بأهمية أن الإنتاجَ الناقصَ أو الزائدَ بِيَدِ الإنسان فيما عدا الشروط الإقليمية والطبيعية يُعَبِّرُ عن وضعٍ خارجَ نطاقِ الإنسانية بقدرِ البطالة على الأقل.كما أن مسألةَ البلدان والأقاليمِ النامية أو المتقدمة أيضاً تعبيرٌ آخَر عن وضعِ الخروجِ عن الإنسانية، والذي شَكَّلَه الاقتصادُ نفسُه الهادفُ إلى الربح. فهكذا يَفتَحُ الطريقَ أمام الأزماتِ والحروبِ المحلية والقومية والدولية التي لا تَعرف الهوادةَ أو السكون، من خلالِ نثرِ بذورِ شتى أنواع النزاعات فيما بين البلدان والمناطق. جليٌّ ان اقتصاداً مُسَخَّراً لخدمةِ المجتمعِ البشري لا يمكن البتةَ أن يؤدي إلى هذه الأوضاع، أو يجب ألا يؤدي إليها.هذا وإنّ تَحَوُّلَ علاقاتِ القرية المدينة المتأسسةِ طيلةَ المجتمعِ التاريخي على التناغمِ وتقسيمِ العمل فيما بينها إلى تناقضاتٍ متجذرةٍ تدريجياً، واختلالَ التوازنِ على حسابِ مجتمعِ القرية الزراعة متعلقٌ أيضاً بإخضاعِ الاقتصادِ للترتيباتِ الهادفة إلى الربح. ذلك أنّ العلاقاتِ المعتمدةَ على تغذيةِ المدينة والقرية، والزراعة والمِهَنِ الحرة والصناعة لبعضها بعضاً، وتَركَها مَحَلَّها لعلاقاتِ تصفية البعض؛ إنما هو نتيجةٌ وخيمةٌ أخرى من نتائج قانون الربح الأعظمي. فلدى الزجِّ بمجتمعِ القريةِ والزراعة على حافةِ الفناءِ والزوال، وَلَجَت المدينةُ والصناعةُ مرحلةَ التعاظُمِ السرطانيّ. هكذا تُرِكَ المجتمعُ التاريخيُّ بذاتِه أيضاً وجهاً لوجه أمام الفناء، وليس الاقتصادَ وحسب.إخضاعُ الاقتصادِ المعتمدِ على قانونِ الربح الأعظمي لمثلِ هذه التحريفات، قد جَلَبَ معه التحولَ الطبقيَّ والصراعات السياسية، وأدى إلى شتى أنواعِ الحروب المحلية والقومية والدولية. ساطعٌ بجلاء أن ما يَكمنُ في أساسِ كل تلك السلبيات المعروضة في سرودِ المدنية وكأنها قَدَرُ البشرية، إنما هو استعمارُ ونهبُ الاقتصاد من طرفِ النزعةِ الفردية والاحتكارية الرأسمالية المعادية للاقتصاد.لا تَكتَفي العصرانيةُ الديمقراطية بإنقاذِ الاقتصاد من هذه الميول المضادة له. فهي تتسم بنظامٍ منهجيٍّ لا يَعترِفُ بالبطالةِ والبؤس القاهر، ولا يَتركُ مجالاً للإنتاجِ الزائدِ أو الناقص، ويُخَفِّضُ الفوارقَ بين البلدان والمناطق النامية والتقدمية إلى حدودها الدنيا، ويُحَوِّلُ تناقضاتِ القريةِ المدينة إلى علاقاتٍ مغذِّيةٍ لبعضها البعض ضمن شروطٍ أكثر رقياً. وضمن نظامها المنهجي، لا يتم البلوغُ بالفوارقِ الاجتماعية والاقتصادية إلى أبعاد الاستغلال الطبقي، ولا تتجذَّرُ التطوراتُ الطبقية، ولا تتعاظَمُ أبعادُ الاستغلال الاقتصادي والتناقضاتِ الاجتماعية التي قد تتسبب في الأزمةِ والحرب. هذا ولا يَقتَصِرُ نظامُ العصرانيةِ الديمقراطية على عدم السماح بقيامِ الصناعويةِ والتمدن بابتلاعِ القريةِ والزراعةِ وحسب، بل ولا يَسمَح أيضاً باحتوائهما وهَضمِهما لنشاطاتِ المدينة والصناعة بأبعادها الحقيقية الممكن عيشُها. وتُمنَحُ آليةُ ذلك من خلالِ أبعادِ العصرانية الديمقراطية الرئيسيةِ في هيئةِ التكامل المُوَحَّد. فجميعُ الجماعاتِ تتناوَلُ العناصرَ الأيكولوجيةَ والصناعيةَ ضمن تكامُلٍ مُتَّحِدٍ في نشاطاتها الاقتصادية ارتباطاً بالبُعدِ الأخلاقي والسياسي. إنها موثوقةٌ ببعضها بأواصر لا تُبتَر. هكذا لا يُترَكُ شيءٌ بين مخالِبِ النزعةِ الفردية والاحتكارية التمزيقية. حيث يوضَعُ نصبَ العين الاقتصادُ الأيكولوجي والصناعةُ الأيكولوجية في جميع النشاطات الاجتماعية. بناءً عليه، فإعادةُ إعمارِ البيئة، وإنعاش الزراعة، وتحويل القرية إلى ساحةِ حياةٍ تتميز بالبيئة الأسلم تُعَدُّ مشاريعاً تتحلى بقدرتها على إزالةِ كل ظواهر البطالة والفقر المدقع من الميدان بمفردها. البطالةُ شاذةٌ عن طبيعةِ الإنسان. ذلك أن بَني البشر المتسم بهذا الكم من الذكاءِ الراقي، لا يمكن بقاءَ فتياته عاطلاتٍ عن العمل إلا بِيَدِ العنفِ البشري، وهذا ما يحصل فعلاً. فالطبيعةُ التي لا يُعثَرُ فيها على نملةٍ واحدةٍ عاطلةٍ عن العمل، كيف لها أنْ تَترُكَ مخلوقَها الأرقى عاطلاً ويائساً؟ كيف للفقرِ القاهرِ أن يَكُونَ قَدَراً في عصرِ التقنية والصناعة المعتمدةِ عليها، واللتَين هما إنجازان رائعان لممارسةِ الإنسان العملية؟واضحٌ أن التحوُّلَ البنيوي المنهجي هو المطلوب. الواقعُ التاريخي والمرحليُّ للعصرانية الديمقراطية يتسم بميزةِ عدم تحقيق اغترابِ الإنسان عن ممارسته وكدحه. والثورةُ الصناعيةُ انتصارٌ لأجلِ المجتمع واقتصاده بوصفها إحدى أعظم مراحل هذه الممارسة. القضيةُ تتجسدُ في تسخير الحداثة الرأسمالية لهذا النصر الذي لا مثيل له لخدمةِ قانونها في الربح منذ بداياته، وبالتالي في زَجِّها بالمجتمع التاريخي إلى حافةِ الفناءِ بإنشائها نزعةً فرديةً واحتكاريةً لا ند لها (تجارياً، صناعياً، مالياً، سلطوياً، ودولةً قومية). من هنا، فالعصرانيةُ الديمقراطيةُ بأحدِ المعاني اسمٌ للثورةِ المنهجية والبنيوية إزاءَ مفاهيم الحداثة تلك وتطبيقاتها المنحرفة، بينما الصناعةُ الأيكولوجيةُ إحدى أبعادِ هذه الثورة الأساسية على الإطلاق. هذه الحجة بِحَدِّ ذاتها برهانٌ قاطعٌ على مدى حياتية العصرانية الديمقراطية.ولو أنه يتم عرضُ الوحدة Birim الاقتصادية الكلاسيكية للحداثة الرسمية على أنها تتألف من الأسرة والشركات ذات البنية المُحتَرِفة، إلا أنها وحداتٌ Birim تَهدِفُ إلى الربح، وأيٌّ منها لا هَمَّ لها سوى الربح. فرغمَ عدم تَركِها ساحةً اقتصاديةً في أرجاءِ المعمورة إلا ودَسَّت فيها أَذرُعَها كالأخطبوط، إلا أن القضيةَ الوحيدةَ التي تهتم بها هي كيفيةُ تحقيقِ الربح الأعظمي، لا غير. وتتمثَّلُ الحصيلةُ الدائمةُ لنشاطات الشركات والوحدات Birim الاقتصادية أو بالأحرى الخارجة عن الاقتصاد المرتكزة على قانون الربح الأعظمي في بلوغِ البطالةِ أبعاداً عملاقة، تعاظُمِ الهُوَّةِ بين الفقر المدقع والواردات، وبينما تَنكَسِرُ شوكةُ مئات الملايين من البشر السابحين في محيط المجاعة من جانب، فطاقةُ الإنتاجِ الأقصى تُهدَرُ هباءً من الجانب الآخر، التَمَخُّض عن أزماتِ الإنتاجِ الزائد أو الناقص، تعريض الزراعة للإفلاس، وإفناء مجتمع القرية. لذا، فالوحدة Birim الاقتصاديةُ الأساسية للعصرانية الديمقراطية ستَكُون بالطبع ضد وحدات Birim الشركاتِ تلك الهادفة إلى الربح.لَطالما شَكَّلَ الاقتصادُ طيلةَ التاريخِ الهَمَّ الشاغِلَ أساساً للمجتمعِ الأخلاقي والسياسي بوصفه موضوعاً حساساً. ففي أقاصي الأمر ثمة الظواهرُ المُهَدِّدَةُ للمجتمعِ بشكلٍ كليٍّ كالشّحّ والفقر والمجاعة والموت. الربحُ أيضاً باعتباره وحدةً Birim لم تَعتَرِفْ المجتمعاتُ بشرعيته في أيِّ وقت، بل نَظَرَت إليه دوماً كمصدرٍ للسيئات والرذائل والاختلاس، فلَم تتوانَ عن مصادَرَتِه كلما سَنَحَت لها الفرصة. ذلك أنه ساطعٌ سطوعَ الشمس استحالةَ إنشاءِ الاقتصاد ارتباطاً بهدفٍ كهذا. فبالأصل، وكما تم الإيضاح، فالحديثُ عن الاقتصاد فيما يتعلق بنشاطٍ مضادٍّ للاقتصاد، إنما هو التناقضُ بِعَينِه بِحُكمِ الواقع.السبيلُ الوحيدُ للخلاصِ من هذا التناقض هو اقتصادُ الجماعات الأيكولوجية. فآلافُ المجتمعاتِ الأيكولوجية بمقدورها تنظيمَ ذاتها كوحدةٍ Birim اقتصادية بِحُكمِ الظروف. أما الأراضي المُفتَقِرةُ لخاصيتها كوحدة Birim في الزراعة بتمزيقها المتواصل على يد العوائل، فإعادةُ تنظيمِها مع وضعِ مبدأ الصناعةِ الأيكولوجية نُصبَ العين باتَ قضيةً مُلِحَّةً منذ زمنٍ بعيد. وتأسيسُ الجماعاتِ الأيكولوجية في الزراعة هو أحدُ المبادئ الاقتصادية الأساسية على الإطلاق في العصرانية الديمقراطية. وتأسيساً على ذلك، فمفاهيمُ الفِلاحةِ المتبقية من القِنانةِ والعبودية قد عفا عليها الزمن. كما أن الجماعاتِ الأيكولوجيةَ التي ستتحقق بتأسيس الوحدات Birim الزراعية وفق المكيال الأيكولوجي، تُشَكِّلُ أرضيةَ عصرانيةِ القريةِ أيضاً. أي أنه بمستطاع القرى أو القرى العصرية إعادةَ وجودِها مجدَّداً بوصفها وحداتٍ Birim اقتصاديةً ذاتَ مكيالٍ أيكولوجي، نظراً لأنها جماعاتٍ أيكولوجية.هذا وبالإمكان تشكيل جماعاتٍ أيكولوجيةٍ شبيهة في المدن أيضاً. حيث يُنَظَّمُ الاقتصاد كجزءٍ من التكامُلِ العامِّ ضمن مخطط المدينة ذات المحور الأيكولوجي. وكيفما ينبغي عدم وجودِ البيروقراطية التي تَبلَعُ المدينة، فلا مكانَ أيضاً للاقتصادِ الذي يَبلَعُ المدينة. إذ تُنَظَّمُ النشاطاتُ الاقتصاديةُ بما يتوافقُ وطبيعةَ كلِّ مدينة باعتبارها وحداتٍ Birim ضمن التكامُلِ الأمثَل، بحيث لا تَهدِفُ إلى الربح، بل إلى إزالةِ البطالةِ والبؤسِ من الميدان. كما يمكن توزيع السكان على هذه الوحدات Birim بما يتناسبُ وبُنيتَهم ومهاراتِهم.قد يَلُوحُ وكأننا نتحدثُ عن اقتصادٍ اشتراكيِّ المنهج والتخطيط. لكن النموذج الذي تحدثنا عنه مختلف. فكيفما أن هذا النموذج لا علاقةَ له باقتصادِ التخطيط والتوجيه المركزي، فهو لا صلةَ له أيضاً بالشركات المُسَمّاة بالاقتصادية، والتي هي ليست اقتصاداً، بل وحشيةٌ هادفةٌ للربح. إنه بنيةٌ يُحَقِّقُ فيها المجتمعُ الأخلاقي والسياسي المحلي قراراتِه وممارساتِه. لا شك بضرورةِ وجودِ منسقيةٍ تَضَعُ الظروفَ المحليةَ والإقليميةَ وحتى الدوليةَ نصبَ العينِ في كلِّ الأزمنة. لكن هذا لا يَدحَضُ أو يفني كونَ القرارِ والممارسةِ ضمن مبادرةِ المجتمعِ المحلي. أُكَرِّرُ مجدَّداً أن الاقتصادَ ليس قضيةً تكنيكيةً معنيةً بالبنيةِ التحتية، بل، وبِحُكمِ كونه البنيةَ الوجوديةَ الأساسيةَ للمجتمعات، فهو نشاطٌ يتحقق بممارسةِ المجتمعِ برمته لآرائه ومداوَلاتِه وقراراتِه ونشاطاته التنظيمية. وقطعُ أواصرِ الإنسان مع الاقتصاد أساسٌ لجميعِ أشكال الاغتراب. ومثلما أن الحَؤولَ دون ذلك شرطٌ أولي، فالسبيلُ الوحيدُ لذلك يَمُرُّ من تصيير الاقتصادِ مُلكاً لكافةِ الجماعات. فكيفما أن القيامةَ تَقُومُ من القول بأنه "واحدٌ يأكل والآخَر يَنظُر"، فالقيامةُ تَقُومُ أيضاً بالقول أنه "واحدٌ يَعمَل، والآخَر يتنزه". الاقتصادُ شرطٌ وجوديٌّ أساسيٌّ للمجتمع، بحيث يقتضي تنظيمَه وفقَ محورِ الجماعات، وبموجبِ أسسِ الأيكولوجيا ومدى العطاء والإنتاج بكل تأكيد. وفيما خَلا ذلك، لا أحد من المجتمع أو من بين الجماعات يَحُقُّ له التحلي بهذا الحقِّ الوجودي، ولا إزالته من الميدان. والوحداتُ Birim مُرغَمةٌ على الامتثالِ لهذه المبادئ الأولية، تجاريةً كانت أم صناعيةً أم زراعية، بل وحتى لو كانت ماليةً بشرطِ تأديتِها دورَها كوسيلةٍ وحسب. ينبغي تواجد هذه المبادئ ضمن أساسِ معملٍ ضخمٍ وضمن وحدةٍ Birim قرويةٍ زراعيةٍ على السواء.تَخسَرُ مُلكِيةُ الوحداتِ Birim الاقتصاديةِ أهميتَها في العصرانيةِ الديمقراطية، وتبقى في المرتبةِ الثانية. لا ريب أنه ستَكُون ثمة مُلكِية للجماعات التي تتصرف بما يتواءم وتلك المبادئ. فلا مُلكِيةُ الأسرة، ولا مُلكِيةُ الدولة يمكنهما تلبيةَ احتياجاتِ الاقتصاد العصري. ذلك أن مُلكِيةَ الدولةِ والأسرة المتبقيةَ من الهرمية، باتت في وضعٍ لا تَقدِرُ فيه على الاستمرارِ بوجودها حتى في الحداثةِ الرأسمالية. بل وحتى الشركاتُ تَدخُلُ تدريجياً بوابةَ المُلكِية الجماعيةِ للعامِلين فيها بسبب إخلالِها بالعِلَلِ والحجج الاقتصادية. مع ذلك، يتوجب عدم الفصل بخطوطٍ فاصلة بين معايير المُلكِية. فمثلما يَحيا نظاما الحضارة والمدنية بشكلٍ متداخِل، فأنظمةُ المُلكِيةِ أيضاً ستُحافِظُ على تَداخُلِها مدةً طويلةً من الزمن. وكيفما أن مُلكِيةَ الأسرة تَصونُ وجودَها ضمن المُلكِيةِ الجماعية، فالدولةُ أيضاً سيُحافِظُ وجودُها على تأثيرِه وحِصّته. المهم هو قابليةُ الانفتاح لمعاييرِ المُلكِيةِ المَرِنةِ المُتَمَكِّنَةِ من الرد على متطلبات البيئة والإنتاجية والبطالة. ذلك أن كلَّ سلوكٍ يَخدمُ وجودَ الفردِ وحريتَه وفضيلتَه وجمالَه سلوكٌ قَيِّمٌ وثَمين، حتى لو كان مُلكِية. لكن، وبما أنه من المستحيل نشوء هذه القيم بلا الجماعة، فالأصحُّ والأنسبُ هو حلُّ القضايا ضمن حدودِ التوازن الأمثَل. العصرانيةُ الديمقراطيةُ مُخَوَّلَةٌ لأداءِ دورِها بنجاحٍ مظفّر في هذا الموضوع، من خلالِ مُلكِيتِها الجماعيةِ التي لم تَفقُد وجودَها الكومونيالي المشاعي على مر التاريخ، ومَوضَعَتِها مُجدَّداً ضمن الشروط العصرية تأسيساً على المجتمعِ الأخلاقي والسياسي.
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42