ساكينة ابنة ديرسيم
21 فور 2015 شنب
المرأة الجميلة المتمردة والثورية المبدعة
بقلم الأنصار
ها هنا ارض بلاد الرافدين مهد الحضارة البشرية موطن الشمس ومنبع المياه العذبة ، هاهنا ارض الخيرات والثورة الزراعية، هاهنا موطن عشتار ,انانا ,نفرتيتي , زنوبيا ,ليلى قاسم , زيلان , شيرين علم هولي ، ها هنا وعلى ذات هذه الأرض المعطاء ولدت ساكينة جان سز أيضا ساكينة، جان سز هذه الحرة سقطت في عاصمة الحرية باريس فكبح عبير انطلاقاتها بعد ان نفذ ت فيها أبشع عملية اغتيال شاهدتها بداية القرن الحادي والعشرين ، ساكينة جان سز أنكرت عليها هويتها كأنثى وككردية وكعلوية هويات ثلاث انتهكن منذ زمن في مسقط رأسها في مدينتها التي حملتها في قلبها جرحا غائرا ، تلك المدينة التي خرجت في وجه القمع الوحشي لتعلن تصديها وصمودها أمام الجور عبر انتفاضات متكررة ومقاومات باسلة ، ديرسيم ومن لا يذكرها تلك المدينة الكردية الكردستانية ، تلك المدينة العلوية المتمردة تلك المرتمية بين أحضان جبل المنذر هناك ظلت شامخة لم تدس أرضها أقدام أي مستعمر ولم تتلطخ روحها التحررية هناك في ديرسيم عاشت الروح التحررية بأعلى درجاتها فلم تنطفئ فيها نار الحرية حتى عام 1938 عندما اتخذ القرار بإطفاء مشعل حريتها مع حركة الإبادة العرقية التي نفذت فيها .
هناك في ديرسيم ، وبعد عقدين من الجزرة عام 1958 ولدت ساكينة جان سز فكانت البنت الثامنة بين إخوتها والمرأة الوحيدة بين مؤسسي الحزب العمال الكردستاني . درست ساكينة مرحلتي الدراسة الابتدائية والمتوسطة في مسقط رأسها إلا إن الحظ لم يسعفها لإكمال مرحلة الثانوية من دراستها . تعبر ساكينة عن دغدغة الإحساس الثوري لديها في أيام طفولتها قائلة : كانت تطوراتي السياسية في بديات العقد السابع من القرن الماضي في تركيا وقع بالغ على الفتية ألا إن صغر سني حين ذاك لم يؤهلني الى استيعاب كل ما يجري حولي ،إلا إن تعاطف مواطني مدينتي مع الفكر الثوري وتقديرهم العميق للثوار والقادة الثورين هو أكثر ما استحوذ على اهتمامي .
أما عن تجربتها البكر مع الحياة الثورية فتقول ساكينة : الفضول الذي جعلني ارتشف من مناهل الفكر السياسي الثوري المتواجد حين ذاك غير مجرى حياتي والى الأبد صدفة القدر جعلتني التعرف على الشبان الثورين كانوا يقيمون بالقرب من دارنا مجموعة متميزة بأسلوب تعاملهم اليومي وطريقة تعاطيهم مع الأحداث والقيم وجدت فيهم الجوهر الذي يستطيع إشعال نار الحرية في ديرسيم من جديد .
عقب الانقلاب العسكري في تركيا ، في الثاني عشر من شهر آذار عام 1971 تتعرف ساكينة في مدينة الازغ الكردية ذات الغالبية العلوية على حركة الشباب الكردية وتنضم الى صفوفهم . كانت تلك الحركة مؤلفة آنذاك من مجموعة من حملة الفكر الثوري في كل من كردستان وتركيا ، بعرف بالحركة الابوجية يقودها شاب كردي يدعى عبد الله أوجلان فتقرر ساكينة ان تخوض معهم نضالا مريرا ضد الزمر المناوئ ة للفكر الثوري الكردستاني في تلك المدينة .
أبت ساكينة ان تلزم نفسها بالانتماء المذهبي ، فنظرت تلك الشابة الثورية المتمردة على المجتمع التقليدي نفسها لهدف أسمى وخدمة شعبها الكردي وبنو جلدتها . أما عن بداية حياتها النضالية تقول ساكينة : تحولت حركتنا الشبابية وبوقت قياسي إلى قوة سياسية استطاعت مابين عامي 1975 و1977 ان تخطو خطوات جديرة بالاهتمام ضد القطاعين والعشائريين والقوميين المتطرفين الشوفينين ، ومع بداية عام 1978 شكل العديد من اللجان التنظيمية لحث الشبيبة لانخراط بين صفوف هذه القوى السياسية الفتية المتنامية . ثم عادت ساكينة الى مسقط رأسها لبدء بالعمل التنظيمي ورفع من مستواها الفكري كما كرست في ترويض ذاتها كل ما قد يتطلب من نضال . وما ان علن عن تأسيس حزب العمال الكردستاني حتى نظرت ساكينة لنشر مبادئه فشاركت في 27 من شهر تشرين الثاني من عام 1978 في المؤتمر التأسيسي لحزب العمال الكردستاني .
لتقول ساكينة في ذلك : اجل لقد خططت حركة الثورية الكردستانية عام 1977 خطوة جيدة إلى الأمام الا إنها في عام 1978 خطت خطوات فعلية عدة في المجال التنظيم الجماهيري ، لقد كان التحلي بالروح الرفاقية والإقدام على التضحية من قبل رفاق التنظيم موضع الإعجاب والتقدير .
القي القبض على ساكينة وعدد من رفاقها عام 1979 في المدينة العزيزية أثناء الانقلاب العسكري في 12 من شهر أيلول عام 1980 كانت ساكينة تقبع في زنزانة أمد سيئة السيط ، وهناك حاول الجلاد اسعد اوكتاي السادي اثناء تعذيبها في تلك الزنزانة ان ينتزع منها ولو صرخة او.... اخ لكن كان اكبر ما استطاع الحصول عليه هي بصقه في وجهه من فم مناضلة مرة ، ساحت بعدها بعبارتها الشهيرة " الاستسلام خيانة ، والمقاومة هي الحياة " .
كانت مقاومة ساكينة جان سيز في سجن أمد بمثابة ميلاد جديد بالنسبة للمرأة الكردية . فقد رأينا الكردية في شخص ساكينة تجسد الكيفية في إن المرأة ليست بأقل من الرجل او أدنى منه ، بل حتى برهنت لهم بان المرأة تملك طاقة مقاومة وروح تحررية تجتاز ما يتمتع به الرجل بإضعاف ومع كل شيء يجب القول انه لم تكن للمرأة الكردية ان تكون صاحبة وقفة مقاومة تحررية بهذا المستوى من العمق في يومنا هذا ان لم تتواجد وقفة تحررية نسائية بذاك الشكل وذاك العمق في سجن أمد .
مكثت ساكينة الثائرة سنوات عدة في زنزانات الازغ وملاطية وأمد وجنقار وبورصة حتى عام 1991 . وبعد خروجها متأثرة بما عانته في السجن تركت أرضها على مضض فشدت الرحال الى منطقة بقاع اللبناني للالتحاق باكادمية معصوم قورقماز والانتهال من فكر القائد أوجلان . هناك تم عقد المؤتمر التأسيسي لسجينات وسجناء السياسيين ، فشاركت في ادارة جلساته ،ومن ثم توجهت الى كل من فلسطين وسورية فغربي كردستان لمواصلة النضال في النضال السياسي والمشاركة تعبئة الجماهير .
لخصت ساكينة نهج الحركة التي انضوت تحت لوائها بالعبارة التالية : أولت الحركة اهتماما بالغا بالوجود الإنساني وتاريخه ، والنبش في بدايات القيم التي أوجدتها الإنسانية ، وقد احتلت هذه المواضيع مساحة لا باس بها في نقاشاتنا الفكرية، وأثناء إقامة دورات إعداد الكادر الحزبي . كما استحوذ موضوع المرأة على اهتمام الحركة منذ بداية عملها الثوري والتنظيمي ، فالنساء التو قات لصبر غور هذه الحقيقة اتخذن من حركتنا الثورية منطلقا لهن، لبدء بهذه بهذه المسيرة الطويلة الشاقة .
نعم لقد كان العمل على حث النساء على الانخراط في صفوف الحركة ، من أصعب الأمور التي واجهتنا إلا إن سعينا المتواصل تكلل بالنجاح أخيرا ، وفزنا بجذبهن حيث أغنينا الحركة الثورية شكلا ومضمونا ، لقد توصلت الحركة ومن خلال تحليلها لوضع المرأة إلا إن تقدم أي ثورة ديمقراطية لن يتحقق ان لم يحصل تغير في وضع المرأة .
فوضعت الحركة هذا الاستنتاج في صلب اهتماماتها واعتبرته إحدى ابرز المسائل التي وضعتها على رأس أجنداتها .
بعدها توجهت ساكينة جان سيز نحو جبال كردستان لمشاركة في حرب الأنصار ، إلى جانب حضورها في كل المؤتمرات ، والاجتماعات الموسعة التي عقدت سواء من قبل حركة المرأة الكردستانية او من قبل حزب العمال الكردستاني . لقد أبدعت ساكينة في جميع المجلات ، اذ لم يكن حتى الأدب بعيدا عن إحساسها الخلاق ، فانسجت رواية ا سمتها حياتي كانت صراعا دائما ،كيف لا وهي التي وجدت في شعرها الأحمر وجمالها ، مادة لتحدي والصراع ، لتثبت ان ما خلفهما ثائرة لا تنام على الضين لهذا كانت أيضا في ساحات الوغى ،فكان لها دور فعال في اتخاذ قرارات مصيرية وخطوات جريئة كما كان للبحث الدءوب عن المجهول ،والعمل التضامني ، وحث رفاقها ورفيقاتها على التحلي بالقيم الأصيلة التي افرزها تاريخ البشرية عبرا لعصور تأثير على حركة المرأة .
أدركت ساكينة جان سز بان المرأة الكردستانية متى ما اطلعت على حقيقة حزب العمال الكردستاني ,ونضاله والهدف الذي يسعى ستدرك ان الحالة المأسوية التي وضعت فيها المرأة ، والغبن الذي مورس بحقها تاريخيا ، لا يمكن السكوت عنهما .في عام 1998 عادت ساكينة إلى ساحة التدريب والتعليم لدى القائد أوجلان , ومن هناك اتجهت الى الساحة الأوروبية , فتحت أبوابا دبلوماسية أمام اللوبي الكردي, وسخرت جميع الإمكانيات لخدمة القضية الكردية, كما خلقت أرضية واسعة لنضال بين الأحزاب اليسارية ، والمؤسسات الديمقراطية , اذ كان لانضمام الفعال والتعبيرالعلني في الرأي التي كانت تتميز بهما اثر بالغ فكانت صاحبة تأثير قوي على الجالية الكردية في المهجر , وواحدة من أكثر الأعضاء ديناميكية في حركة المرأة الكردية الحرة في أوروبا . لم تبخل بالعمل والنضال مع العديد من نساء القوميات الآخرة .
وكانت باريس ممرها الأخير . تلك المدينة التي ما إن تسمع باسمها حتى تتذكر النضال والأدب ،إلا إنها تذكرالكرد والشعب الشرق الأوسطي بالألم ،والقتل ، والاغتيالات . ففي 9شهر كانون الثاني اتى الخبر المؤلم الحزين ،ليهز كل من به الضمير ،في باريس عاصمة الحب والجمال ،قتلت واحدة من مؤسسي حزب العمال الكردستاني ساكينة جان سيز ،مع اثنتين من رفيقاتها المناضلات فيدان عضوه المؤتمر الوطني عدوة حركة المرأة الكردية ،ليلى شيلا مز عضوه حركة الشباب الكرد.
في مركز المعلومات الكردية في قلب العاصمة باريس مجزرة نفذت بإصرار وترصد حيث أرادت ان تستهدف في شخص ساكينة جان سيز ، ورفيقاتها المناضلات ،نضال حركة تحرر الكردستاني، ونضال المرأة الكردية ،مجزرة أرادت إسكات صوتنا نحن النساء . لقد احزن القتل المتعمد لشخص ساكينة جان سز الكرد وأصدقائهم ، إلا إن ساكينة انتصرت كما اعتادت ان تفعل ، انتصرت على موتها وعلى قاتلها , لان صوتها وروحها كان في الملايين من الأشخاص .ساكينة تلك المرأة الجميلة ذات الشعر الأحمر الثائرة المرهفة , والتي بدأت نضالها مع القائد الكردي عبد الله أوجلان ، في ريعان شبابها تسقط في 9 من شهر كانون الثاني عام 2013 في ساحة النضال لتوقظ الملاين من وتنبه بان الطريق للحرية مازال طويلا .ما ان أذيع نبا اغتيال ساكينة ورفيقاتها حتى هبت الآلاف من الكردستانيين ومن أصدقاء الشعب الكردي الى المكان الذي نفذت فيه تلك الجريمة , وما ان مرت ثلاثة أيام على تلك الجريمة حتى خرجت مئات الآلاف لمرة ثانية لتظاهر في شوارع باريس تنديدا بالحدث . وبعد أسبوع من الجريمة التي نفذت عادت ساكينة عروسة مكللة بالورود والزهور الى مسقط رأسها ديرسيم .التي تمنت ان تعود إليها كأنصارية ككريلا هذه رغبتها الوحيدة التي لم تتمكن من تحقيقها في حياتها الثورية . فسكنت روح ساكينة هنا ربما لم تلك رغبتها الوحيدة , ربما كانت ترغب ان يدفن نصف جسدها في أمد والنصف الأخر في ديرسيم ، او ربما ان ينثر جسدها حبات فوق ارض كردستان التي عمدت بدماء الشهداء .الم يقل الشاعر الكردي : "احني راسك فان كافة أراضي كردستان هي قبر لشهداء ".
ودعتها الملاين في باريس ,واستقبلتها الملاين في امض , لتودعها الوداع الأخير . الم تكن ساكينة تلك التي حملت في قلبها وعقلها معاناتهم وأحلامهم ؟, الم تتجرع كأسهم المرة ؟, الم تتحمل هي ورفاقها لواء تحريرهم حتى النهاية؟ . الم تسقط من اجلهم ؟. إنها ساكينة جان سز , وحسبها ان تكون هي ,فاشهد يا تاريخ !.
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42